Monday 18 June 2007

أبجديات القبول (2) ...ثقافة التفَّة و بدلة العرس !


إذا كنت حريصاً على قبول الآخر لفكرة كونك شخصاً جيداً و جديراً , فينبغي أن تضع في الحسبان أبجدياته التي ينطلق منها في تقييمه إياك , و أعرافه التي يتكئ عليها في الحكم بقبولك أو رفضك . أنت تحتاج إلى اجتياز هذا الأمر بنجاح , و لن يحدث ذلك ألا وفقاً للمقاييس التي ينظر إليك من خلالها هذا الآخر . أما إذا قررت أن تعيش مع نفسك و لأجلها فقط فأنت لست معنياً بالحديث التالي , القائل بأن معايير النفور و القَبول ما عادت بالملامح و التقاطيع . أي أنها ما عادت بخلقة الجسد , بل بقبح أو جاذبية ما يُلبس على هذا الجسد , و بما تعكسه طبيعة الاختيار لتلك الأزياء من رُقِى أو فساد في الذوق . هكذا – و بهذا المفهوم - أنصفت حضارة العصر الحديث الكثيرين منَّا على نحوٍ ما ! . و لأن قصة الإنسان ما عادت مجرد رحلة بحث عن الطعام فقد أصبحت أناقة الإطلالة من الضروريات , بل و بات الاشتغال بها نوعاً رفيعاً من أنواع الفن . فقد تكون الأناقة ترف من منظور الذي لا يملك سوى قوت يومه , أو قد تكون كذلك من زاوية الذي لن يُضار أو يُحرَج آخرون - يُمثِّلهم هو في محفلٍ ما - من عدم توافرها عنده . هذا و غيره وراد في شأن العامَّـة . أما نساء و رجالات " العمل السياسي العام " فلا خيار لهم في ذلك . لأن حسن الهندام هو واجبهم الذي لا يقل أهمية عن الحرص على أعراف و بروتوكولات المجتمع الدولي , و هو أيضاً حقنا كشعب يُمثِّلونه و يحكم الناس عليه من خلالهم . بلى , أناقة الساسة في كافة المحافل و المناسبات هي حقنا الخالص و الذي لا يتفضلون به علينا ! . فأي مسئول في هذه الدولة هو موظف لدي حكومتها التي تُمثِّل شعبها , و أي معارض لتلك الحكومة هو موظف بدوره لدى " إدارة الكيان السياسي " التي تُمِّثل المنتمين إلى ذلكم الكيان من أفراد الشعب . كل الساسة موظفون على نحو ما . و التأنق في الملبس و المسلك من واجبات هذه الوظيفة شاءوا ذلك أم أبوا . إذ لا بد أن يراعي الشخص " المارق " في سبيل العمل العام أبجديات الأناقة العالمية ليس في ملبسه فقط , بل و في جسده أيضاً . و عليه فلا يحق لأي مسئول يمثلنا طوعاً أو كرهاً أن يظهر في المحافل بشعرٍ أشعث أغبر , أو أن يرسل " تفَّتـه " إلى عنان السماء و بمنتهى الاطمئنان كمن ترجَّل لتوه عن " آلة زمن " استقلها منذ سبعينيات القرن الماضي . و إن هو عمد إلى تشذيبها فلا بد أن يحصُل ذلك بعد استشارة مصفف شعر ماهر و مُجدِّد وفقاً لمعايير الحلاقة العالمية تشذيباً و تمشيطاً و تلميعاً ! . أي و الله كل هذا ضروري و لا يظنن بي أحد الشطط ! . و من يرى بغير ما أرى فهو مُترجِّل بدوره من آلة الزمن إياها ! . ليس من حق أي مسئول أن يرتدي من الأثواب ما يشاء وفقاً لمعاييره الخاصة , اللهم إلا داخل الأبواب المغلقة التي لا تستطيع عدسات المصورين الفضولية إليها سبيلاً , أما في أثناء أدائه لوظيفته السياسية أياً كانت فليس من حقه أن يخرج علينا بمظهر العريس السوداني الشعبي ! . فإلى عهد ليس ببعيد ظل العريس النمطي عندنا يلبس البذلة مضطراً لا بطلاً في يوم زفافه . لذا فخياره محدود , فإما أن يقترض واحدة من عريس سابق , أو يشتري واحدة يراعي في مقاسها أن تناسب حجم شقيقه أو صاحبه الذي قد يتزوج بعد بضع سنوات ! . كلا , بذلة المسئول التي تخاط خصيصاً لأجله من أجود أنواع القماش لا ينبغي أن تحيد عن مقاسه قيد أنمله . و لا بد أن تكون جميلة و أنيقة و متناسقة تخطف قبول الآخر و تسرق استحسانه ما أن تقع عينه عليها . و قبل أن يشرع هو في إحراز القَبول على نحو آخر بالحديث المنمق و المنطق السياسي المقنع . ثم أن هنالك ما يسمى بتناسق الهندام الذي يجعل المسئول بمأمن عن خطر فساد الذوق في حال ميله إلى الظهور بالملابس الشعبية المحلية . فالأناقة ليست قصراً على فكرة البذلة القيافة و ربطة العنق المنمقة و الدليل على زعمي هذا أن الساسة في حكومة الجنوب و على الرغم من ميلهم إلى اللمسات المحلية هم الأكثر أناقة ! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي العام - يونيو - 2007 م