الشعراء أشخاص إستثنائيون جداً , نزقون رُبَّما , ردودُ أفعالهم ذاتَ زوايا حادَّة رُبَّما
لكن هؤلاء القوم شاهقون بلا مراءْ , و هم أكثر المبدعين ثقةً بأنفسهم وتقديراً لحجم إبداعهم , متَّكئين في ذلك على عقود الإحتكار الأبديَّة التى وقَّعوها مع شيطان الشعر ! , فليس أيا كان مقدرٌ له أن يصبح شاعراً , الشعر كالغفران , شئٌ يُمنح لكنه لا يُشترى , يُوهب ولا يكفى أن يُطلب ! .. بَيْدَ أن الشاعر هو أول من يدفع ثمن تلك المَلَكَة الباهظة , و آخر من يجنى رَيْعها ! , لذا فقد درج الناس منذ الأزل على أن يقايضوا صبرهم على نَزَقْ الشعراء بتلك المتعة العظيمة , و ذاك الإنبهار اللَّطيف الذى يجدونه في تذوقهم للتراكيب والصور العميقة التي تشرح جراحهم و تُفنِّدُ دواخلهم المفعمة بالإنابة عنهم ! , إنها هيبة الشعر و عظمة الشاعر ! ,..
لكن المتشاعرين كُثُرْ , و قد كنت منهم على نحو ما قبل أن أكتشف أن عالم السرد
لكن المتشاعرين كُثُرْ , و قد كنت منهم على نحو ما قبل أن أكتشف أن عالم السرد
الجميل هو قدرى و ملاذي و هلاكى أيضاً إن أنا فرَّطت
في طفولتى كبعض الصغار المتحذلقين كنت أتَشاعَر بقصائد قصيرة جداً و ساذجة جداً تتحدث عن الأم التى تتفانى في إعداد الطعام , والأخ الذي لا يصغى إلى النصح , و الأشجار و الطيور و الألعاب التى تتكلم و تضحك و تتألم , و أذكر أننى كنت مفتونةً بكلمة (القوت) التى كنت أجدها بليغة جداً ! , فخصَّصت قصيدة كاملة تتحدث عن الأب و لقمة العيش التى يوفرها بعرقه لأطفاله الجياع في انتظار عودته من أجل تلك الكلمة البراقة ! .... إلى آخر تلك السذاجات الطفولية البريئة والجميلة ! .
ولا زلت أذكر قصيدتى عن أطفال الحجارة التى ألقيتها في فناء المدرسة بصوت مرتجف من هول الموقف المهيب , كانت تلك أول مرة أتحدث فيها أمام حشد من الناس و كدت أموت فَرَقاً و خجلاً , و لم أكن أعرف يومها أن مخاطبة الحشود بصوت واثق في قاعات المحاكم سيكون دأبى و مهتنى التى سأختارها بملء إرادتى لآكل منها عيشي !
قصيدتى تلك عن أطفال الحجارة عندما قرأها خالى رحمه الله و الذي كان يعمل وقتها في إحدى الصحف إقترح محاولة نشرها تشجيعاً لى , الأمر الذي أفرحنى كثيراً , لكنه بدَّد فرحتى بمهاتفتى بعدها ليسألنى بتشكُّك إن كنت أنا من كتبها فعلا , لا زلت أذكر الآن كيف آلمنى ذلك و كم شعرت بالمهانة فأجبته بحزم طفولىّ بأن ينسى أمرها إن كان لا يصدقنى !!
أما على أعتاب الأنوثة فقد اقترفت آخر محاولة فاشلة لكتابة قصيدة أذكر أن مطلعها كان ..
ولا زلت أذكر قصيدتى عن أطفال الحجارة التى ألقيتها في فناء المدرسة بصوت مرتجف من هول الموقف المهيب , كانت تلك أول مرة أتحدث فيها أمام حشد من الناس و كدت أموت فَرَقاً و خجلاً , و لم أكن أعرف يومها أن مخاطبة الحشود بصوت واثق في قاعات المحاكم سيكون دأبى و مهتنى التى سأختارها بملء إرادتى لآكل منها عيشي !
قصيدتى تلك عن أطفال الحجارة عندما قرأها خالى رحمه الله و الذي كان يعمل وقتها في إحدى الصحف إقترح محاولة نشرها تشجيعاً لى , الأمر الذي أفرحنى كثيراً , لكنه بدَّد فرحتى بمهاتفتى بعدها ليسألنى بتشكُّك إن كنت أنا من كتبها فعلا , لا زلت أذكر الآن كيف آلمنى ذلك و كم شعرت بالمهانة فأجبته بحزم طفولىّ بأن ينسى أمرها إن كان لا يصدقنى !!
أما على أعتاب الأنوثة فقد اقترفت آخر محاولة فاشلة لكتابة قصيدة أذكر أن مطلعها كان ..
ليت انتظار الفجر
يسفر عن جديد
الفجر ليس القطر و الأنسام
والضوء الوليد
الفجر ليس نعاس أطفال المدارس
حين يتلون النشيد !!
إلى أن قلت ..
إلى أن قلت ..
الفجر أن نصحو معاً
والليل أن نغفو معاً
نرسم للفجر الجديد!!
بعد كتابتها بدقائق فقط كنت أنا أول الساخرين من هذا الكلام و أول المستخفين به , أما الأسباب فقد كانت موضوعية جداً , و من
ضمنها على ما أذكر , أن أطفال المدارس لا يتلون النشيد المزعوم فى الفجر , وإنما يفعلون ذلك فى الصباح بعد شروق الشمس لأنهم مجرد أطفال وليسوا مجندين فى الجيش النازي ! , و حتى لو قمنا بتغييرها إلى الصبح ِعوَضاً عن الفجر بمعنى أن نقول ..( ليت انتظار الصبح يسفر عن جديد ) !ستواجهنا مشكلة أكثر فداحةً و هى أن الصبح لا يكون الضوء فيه وليداً , بل تكون الشمس فيه ساطعةً كحقيقة إسرائيل ! , وسطوعها بطبيعة الحال سيؤدى إلى تبخر القطر المزعوم , فلا يمكن أن نقول ..
( الصبح ليس القطر و الأنسام و الضوء الوليد ) ! ثم أنَّ النهاية سخيفة ومبتذلة .. يعنى .. قافية و السلام !!
وقتها كنت قد ودَّعتُ طفولتى كما ودَّعتُ التشاعر الى الأبد !!
فالمسألة في منتهى الصعوبة , وشيطان الشعر شخصية غاية في الحزم و النزاهة , و الأدهى و الأمَرّ أنه لا يعترف بالواسطة !
ثم أنه ليس أسوأ من التَّشاعر و الشعر الرَدئ , و عليه فإن الإقتصار على التّذوق هو الخيار الأذكى الأفضل !!
( الصبح ليس القطر و الأنسام و الضوء الوليد ) ! ثم أنَّ النهاية سخيفة ومبتذلة .. يعنى .. قافية و السلام !!
وقتها كنت قد ودَّعتُ طفولتى كما ودَّعتُ التشاعر الى الأبد !!
فالمسألة في منتهى الصعوبة , وشيطان الشعر شخصية غاية في الحزم و النزاهة , و الأدهى و الأمَرّ أنه لا يعترف بالواسطة !
ثم أنه ليس أسوأ من التَّشاعر و الشعر الرَدئ , و عليه فإن الإقتصار على التّذوق هو الخيار الأذكى الأفضل !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيــــلولة - أوراق جديدة - 2006
صحيفة الخرطوم - 2006
No comments:
Post a Comment