(أوستن) الفقيه القانونى له نظرية قانونية شهيرة تسمى باسمه
Austen theory , تتضمن تعريفاً للقانون تقادم عليه الزمن لكنه لا يزال منطقياً و معاصراً , يقول أوستن ..
(law is a command which obliges a person or persons to
a course of conduct)
و على الرغم من أن الإلتزام الذي قصده أوستن هو إلتزام فردى أو جمعى تجاه أمر ملزم يتمثل في مجموعة القوانين التى تنظم سلوكياتنا العامة و معاملاتنا الرسمية , إلا أنه يبدو أن هنالك نظرية أخرى غير مكتوبة أو معرفة رسميا يجرى العمل بها , تلك النظرية مفادها أنه على القانونى أن يقوم بتطبيق نظرية أوستن في حياته الخاصة و معاملاته الشخصية !!
الراسخون في المهنة يعرفون أن صانع الأمطار هو لقب يطلق على محامى قضايا التعويض في أمريكا , لأنه يجني مبالغ طائلة لموكليه , أما غير الراسخين فيعرفون ذلك من رائعة الروائي جون جريشام الشهيرة (صانع الأمطار ) ! , و لأن التعويض في القانون الأمريكي كالبقدونس في المطاعم اللبنانية تجده في كل شئ , و عن كل شئ و خلف كل باب , و تحت كل حجر , فالمحامى هو صانع الأمطار - القوم مسرفون في ذلك تشجعهم قوانينهم التى تشوبها بعض الطرافة أحياناً ! - , فلا تندهش إذا قرأت في شريط الأخبار على قناة الـ ( CNN) أن نملة أمريكية عجوز قد قامت برفع دعوى قضائية في مواجهة مالك المنزل القديم الذي تقيم بين شقوق جدرانه التى تنضح بالرطوبة, مستندةً في دعواها على تقارير طبية تثبت إصابتها بداء المفاصل ! , و الكسب مضمون بفضل صانع الأمطار الذي لا يقهر ! , هؤلاء القوم أشقياء فعلاً , يشقون من حولهم و يشقون بهم !!
لكن ماذا تحت المظهر الخارجى لصنَّاع الأمطار ؟ ! ماذا عن الدواخل المفعمة ؟! , دراسة القانون تضع بصماتها على شخصيتك وتصرفاتك وطريقة تفكيرك ماحييت وهذا شئ لا تملك تغييره وإن حاولت , هذه البصمات قد تجعل منك في كثير من الأحيان شخصية مثيرة لاستياء من حولك .فصانع الأمطار شخص يجيد الإستماع لكنه نادرا ما يتدفق في الحديث عن نفسه , عملى جداً يوفر على نفسة مرارة الصفقات الخاسرة فلا ينظر إلى الخلف إلا بمقابل يشعره بالربح , عادةً لا يفهمه من حوله كثيراً , و حياته الخاصة في الغالب لا توازي في نجاحها حياته المهنية !لكنه مظلوم لأن شخصيته الحقيقية تذوب في الكاريزما المهنية لذلك تسمع دوماً من يردد أن كل المحامين هكذا , كلهم يقولون كذا , أو يفعلون كذا ,
أما أنا فأعتقد بأنهم كلهم يبدو عليهم أنهم هكذا !! فإن كنت من صناع الأمطار و حاول شريك حياتك استجوابك بطريقة غير مباشرة عن أمر ما , قد تدفعه إجاباتك الحذرة والمقتضبة إلى الشك في براءتك , فقط لأنك تجيب بحذر واقتضاب وهذا أمر لا تملك تغييره , فعقلك الباطن يتخذ دون أن تشعر موقفاً دفاعيا من كل شئ حتى أبسط الأشياء ! , فعلى سبيل المثال - كمواطن عادى - عندما تذهب لتناول وجبة في أحد المطاعم ستطلب قائمة الطعام و تقرأ الأصناف المكتوبة ثم تقرر ما تريد , لكنك لا تفكر أبداً بقراءة شئ آخر غير لائحة الطعام , هنالك جمل صغيرة تكون مكتوبة عن نسبة الضرائب أو مسئولية المطعم في حالة فقدان الزبائن لمعاطفهم التى يعلقونها في المشاجب المخصصة قبل جلوسهم لتناول الطعام ! ..... إلخ هل تشغل بالك ؟ , هل فكرت يوماً بتفحص وتقليب عقود الإذعان الجاهزة ؟ كفواتير الهاتف والكهرباء و قسائم الشراء مثلاً ؟ لا أعتقد أنك تفعل شيئاً سوى قراءة المبالغ المستحق دفعها و الأشياء المماثلة لكن المحامى غالباً ما يفعل ! , ماذا عن تلك اللافتات التى تكون معلقة في جدران غرف الفنادق؟ تجدها دوماً مكتوبة بخط دقيق داخل إطار أنيق؟ , أنت قد لا تلتفت إليها أما هو فقد يقف أمامها و لربما تأملها طويلا !
و هكذا يمضى صانع الأمطار في تضخيم انتصاراته المهنية بينما يظل يسوس شقاءه و أوجاعه بعيداً عن أقرب الآخرين , أولئك الآخرين الذين يطلقون النكات الطريفة عن جشعه و ماديته طوال الوقت و على ذكر النكات ,
هنالك نكته طريفة تقول إذا سألت شخصاً بسيطاً عن حاصل جمع 2+2 سيجيبك ببراءة أن الإجابة هى (4) , و إذا سألت اقتصاديا محنكا سيجيبك بأن الأمر يتوقف أو يعتمد على معطيات كثيرة ينبغى تحديدها أولا , أما لو وجهت السؤال الى أحد المحامين فستكون الإجابة ..كم تريدها أن تكون يا سيدى ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيــلولة - أوراق جديدة - 2006
No comments:
Post a Comment