Monday, 13 November 2006

أحفـــاد الجرجون !

في إطار سردي يغلب عليه طابع المونولوج و يميل الى لغة المسرح .. مستخدمة كلتا يديها في عد الساعات و تعداد الخسائر روت لى صديقتي المعهودة قصتها السنوية المعتادة عن العطلة المهدرة و الأوقات (المسفوحة) – في هذا البلد - على مذبح ( المهلة ) و .. و ..
متسائلة بسخط درامي عن الزمن الذي سيصبح فيه سكان هذا البلد كباقي خلق الله الذين يقاسمونهم ذات الكوكب !!
بدوري أجبتها إجابتي السنوية المعهودة ..
( لن نصبح ابدا ً كباقي خلق الله الذين يقاسموننا ذات الكوكب لأننا نختلف عنهم في كوننا - ببساطة - من (سلالة الجرجون) .. بل نحن اجيال مطورة من تلك السلالة نجحت بفضل (التعبقر) و (التذاكي) في( تحريف ) كفاءة (اللعنة ) الشهيرة إياها .. لذا عوضاً عن تحويل الاشياء من حولنا الى حجر كما تقتضي الاسطورة ظللنا نتفنن في (تشيئ ) الزمن حتى حولناه الى صخرة عملاقة تجثم على أحلامنا في التمثل بباقي خلق الله ) !!
و لأننا قد نجحنا بكفاءة في تحجير الزمن فنحن قوم لا ( نهرع ) ابدا !! حتى ان هذا المعنى لا وجود له في قاموس تعاملنا و تحركاتنا اليومية ..
ففي السودان لا أحد ( يهرع ) .. الكل يمشى ببطء و على مهل و يتحرك بتثاقل و يومئ بتكاسل و يتثاءب بضجر و يضحك بخمول و كأن الدنيا بأسرها قد قطعت على نفسها عهداَ صارماً و مقدساً بتذليل أمورنا و تيسير شؤوننا بالإنابة عنا بينما نتفرغ نحن (أحفاد الجرجون) للتفنن في تحجير الساعات و تحويلها الى صخور جيرانيتية !!
و لعل من أشهر ادوات التحجير تلك و أكثرها تداولاً تلك المصطلحات المطاطية التى نستخدمها ليس في تسمية الاوقات فقط بل و في ضرب الواعيد ايضا ... في هذا البلد لا زال اليوم ينقسم فيما يتعلق بضرب المواعيد الى ( صباحية ) و ( ضحى ) و ( عصرية ) و ( مغربية ) و فترة ما بعد ( العشاء ) او ( العشاء ) لا فرق لان المصطلح في الأساس مطاط و حمال اوجه !!

و في هذا البلد لا يزال داء المهلة متفشيا حتى يكاد يفتك ببقية الامل الباقية في ان نصبح كبقية خلق الله الذين يشاطروننا ظهر البسيطة .. هناااك .. حيث لم يعد الجانب الخشن من المجتمع هو فقط من عليه ان يهرع و يهرول ولم تعد الانثى العصرية هي ذاتها التى (تمشى الهوينا كما يمشى الوجي الوحل ) و التى تغنى الشعراء بمشيتها الماهلة طويلا لا زال الناس هنا في شوارعنا يمشون كانهم يمشون بلاهدى ليس كان لكل منهم وجهة او مقصد يجب ان يبلغة في ساعة محددة لا يزال هذا يحدث بينما حتى الانثى يتوجب عليها ان تهرع بل و تهرول ان اقتضى الامر لانها لو استمرئت التصديق بانها (جنى الوزين) الذي (يمشى بمهلة ) ستظل هكذا الى ما شاء الله ..
الأمر الباعث على الدهشة و الاستياء في آن انه ما ان يجلس احدهم خلف عجلة القيادة حتى يتحول الشخص الذي يضرب المواعيد مستخدما ذات المصطلحات المطاطية كالضحى و العصرية والمغربية الى شخص يحسب اجزاء الثانية عند كل منعطف و يستكثر الصبر لثواني معدودة أمام الاشارة الحمراء !!
لست ادري هل هي ازدواجية معايير أم أننا في الواقع مدركون لماهية افعالنا لكننا نستمرئ المكابرة بالقاء اللوم على الآخر (جحيمنا المعتاد ) تماماً كما تفعل صديقتي التى تسير ببطء و تتحدث ببطء و تثرثر مطولا و بروقان بال قبل و أثناء و بعد اى نوع من انواع التعامل اليومي ابتداء من بائع الخضار و اللحم مرورا بموظفة البنك و انتهاء بعامل محطة الوقود ان امكن !!
لكنها تصر على المكابرة بالقاء اللوم على الآخرين في ممارسة نموذجية لجحيم سارتر .. صديقتي المعهودة تلك نظرت الى ساعتها التى كانت تشير الى الرابعة عصرا بمهلة و تثاءبت بحبور قبل ان تقول بابتسامة رائقة نتونس لينا ساعة كده وبعدين نمر ناس البكا العصرية كده !!
( عندما سئل البرتو مورافيا عن اجمل ساعات العمر قال بانها الساعات التى لا يشعر فيها بالزمن ) !! هل يعني ذلك بأننا في هذا البلد نعيش في سعادة أزلية على طريقة مورافيا ؟!!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أوراق جديدة - قيـلولة - 2006
سبتمبر - 2006 - صحيفة آخر لحظة

No comments: