Thursday, 1 November 2007

مشوار الصواب


دوماً أقول عن حياة الساسة الحقيقيين - و (حقيقيُّون) هنا تعني الساسة المحترفون و ليس الهواة ! - بأنها رحلة الأقنعة القابلة للتبدُّل بسرعة الضوء، و بأنها أيضاً مشوار (الصَّواب) الدائم الذي لا مجال فيه للتَظارُف المُطلق في مواقف التَبَسُّم المدروس, و لا سبيل معه إلى الارتجال في مواضع التفْنيد .

و قد انتهت في الأسبوع الماضي إحدى قصص مشاوير الصواب الدائم تلك بانتهاء علاقة زوجية نصفها الخشن سياسي مثير للجدل هو رئيس جمهورية فرنسا (نيكولا ساركوزي) و نصفها الناعم سيدة فرنسا الأولى . و كم أراح إعلان خبر الطلاق الذي أتى بعد خمسة أشهر من وصول (ساركوزي) إلى الرئاسة ملايين الأعناق التي ظلت مشرئبةً نحو نوافذ و أبواب قصر (الاليزيه) المواربة على خلافات قديمة متجددة تأجل البت فيها لحين انتهاء (موال) الانتخابات .

بإعلان هذا الخبر تأكدت صحة الكثير من الشائعات التي ظلت تتردد طويلاً بسبب غياب (سيسيليا) عن الكثير من الأحداث الهامة في حياة زوجها السياسية برغم حرصهما معاً على المضي قُدماً في مشوار الصواب الدائم إياه و الذي هو قدر البائسين الذي يختارون طريق السياسة بكل (نتوءاته) و انبعاجاته القاسية .

على كل حال لا ينبغي أن نعول كثيراً على تلك اللوحات الاجتماعية لمشاهير السياسة و الفن و المرسومة بدقة الحسابات الفيثاغورسية، أو على تلك المواقف العلنية المُشذَّبة بعناية و التي تثير الغيظ أكثر من كونها تبعث على الإعجاب، بل يجب أن نولي ثقتنا أكثر إلى الصور الاجتماعية التي تبدو أقل اكتمالاً و أكثر واقعية .

لماذا ؟! .. لأنه لا بدَّ من بعض (الشتارة) أحيانا لتبدو المواقف واقعية ! . لا بد من بعض النقص و الارتباك لتكون الصورة إنسانية و ليس سينمائية . لذا أعتقد بأن زوجة (أوباما) مرشح الرئاسة الأمريكي الإفريقي الأصل و التي انتقد الجميع صراحتها في الحديث بشأن انصراف زوجها عن الحياة الأسرية إلى حياة السياسة أعتقد بأنها لم تخطئ و بأن تلك (الشتارة) من جانبها قد أعطت بعداً واقعياً لشخصية المرشح الذي ينتظر الكثيرون أن يحقق الفوز .

لكن هذا لا يعني وجوب افتراض علاقة عكسية بين المثالية أو الطموح إلى الكمال و الواقعية بقدر ما يعني أن الواقعية هي أن تكون حقيقياً على طبيعتك، و معنى أن تكون على طبيعتك أن تكون بشراً تخطئ مرة و تصيب مرات .. لا أن تكون مصيباً على الدوام .

أذكر أن إحدى المجلات ذائعة الصيت قد نشرت قبل بضع سنوات تحقيقاً مضماره أوساط و شرائح مختلفة و متفاوتة من النساء العربيات، يمكن تلخيص نتيجته الرئيسية في الجملة الطريفة الآتية : (الزوجات الأكثر أناقة هن الأكثر تعاسة ) .. لذا يبدو أن سيدة فرنسا الأولى قد سئمت إخفاء أحزانها خلف أناقتها الفادحة ! .

و إن كانت خلافات (سيسيليا) و (ساركوزي) قد أحدثت بعض الخدوش الطفيفة في اللوحة الاجتماعية التي يفترض أن تكون مصقولة مئة في المئة و على مدار الساعة فهذا يعني - على الأقل - بأنهما لا يزالان إنسانين و بأنهما لم يتحولا بعد إلى آلتين تعملان بوقود السياسة ! .

من ينكر حقيقة أن الصورة السينمائية شيء و الصورة الواقعية شيء آخر ؟! . و أن الأولى هي ما يجب أن نكون عليه بينما الثانية هي ما نحن عليه فعلاً ! .
حتى أطباء الأسنان يُصنِّفون عمليات تبييضها في عياداتهم إلى درجات أقصاها درجة (الابتسامة التلفزيونية ) أو البياض الناصع شديد اللمعان بينما درجة البياض الطبيعية لأسنان الإنسان هي اللون (البيج) و ليس الأبيض الناصع .

إذا سلَّمنا بأننا بشر خطاءون .. فأين المشكلة في أن يختار الناس مرشحاً رئاسياً بحسب (ما هو عليه) لا بحسب (ما ينبغي) أن يكون عليه ؟! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك رفق - الرأى العام - 2007

No comments: