Friday, 14 December 2007

الشروع في المكاواة

الكثير من الكُتَّاب قفزوا إلى غُرف الأعمدة الصحفيَّة من نوافذ النصوص الأدبيَّة و النقديَّة و قد كنتُ منهم، و أول درس تعلَّمتُه هو أن الكتابة النخبويَّة التي تكون في (حالة) النص الأدبي غلالة رقيقة منسدلة على جسده تضفي عليه مزيدا من السحر، هي في (حالة) المقال (حائط رابع) يفصل بين كاتبه و عموم القراء

و أدركت أيضاً كم أنَّ كتابة (السهل الممتنع) حكاية صعبة، أصعب بكثير من الكتابة النخبوية . كان هذا ضمن دروس كثيرة في كتابة العمود الاجتماعي أدين بها إلى (المدرسة البونيَّـة) حيث المقال الموشح بالجمل الغنائية التي تخدم الأفكار و تطرِّي بطرافتها الكثير من الحقائق القاسية .

و في مدرسة (حاطب ليل) حيث لا يتعالى الكاتب على القارئ بل يأخذه في جولة حول المعنى بتواضع العلماء قرأتُ مقالاً عن أغنية (سيد الاسم) للجابري فسألت بعضهم بصدق و براءة عن هذا الجابري الذي (طقش) اسمه أذني غير مرة لكني لم أسمع له شيئا،ً و عن هذه الأغنية التي رشحها (د . البوني) لتكون على رأس الأغنيات السودانية !

لكنهم أخبروني بأن هذا الاعتراف البريء بجهلي هو ذنب ثقافي كبير، و يدخل في قبيل (الجُنَح) الثقافية التي تكون على غرار الجهل بإحدى معلقات الشعر العربي، خاصةً إذا وضعنا في الاعتبار أن كاتب المقال قد ذكر بأنه كان يعتزم تأليف كتاب بعنوان ( الأغنيات السودانية السبع) على وزن المعلقات السبع !

و بعد أن علمت بأن تعللي بظروف نشأتي خارج البلاد لن تسعفني قمت على الفور بـ (قوقلة) الأغنية (كتبت اسمها في محرك البحث قوقل على شبكة الانترنت) و بعد تحميلها و تأكدي من حفظها في جهازي استمعت إليها فوجدتها رائعة و تستحق أن يفرد لها أكثر من مقال !

و قد ذكرتني رمزيَّة المُنادى (سيد الاسم) في كلمات الأغنية بقصة سمعتها في أحد البرامج التلفزيونية عن مناسبة أغنية (زهرة الروض) حيث قيل بأنها كتبت بناءاً على طلب رجل كان يعشق امرأة تدعى (زهرة) خلع عليها المؤلف لقب (زهرة الروض) بغرض التمويه حتى لا يشك أهلها و بقية الناس في الحكاية، و يفتضح أمر هذا العاشق العذري الذي لم ينسه ازدياد الوجد حرصه على سمعة تلك الزهرة التي قلَّلت منامه !

أما اليوم فـ لا رمزية و لا حياء و لا محاولات من أي نوع لادعاء العفة و لو من باب المجاملة، بل أصبحت الأغاني تزدحم بالأسماء (أسماء الرجال قبل النساء) !

صحيح أنِّي لم أسمع بهذه الأغنية قبل قراءتي لذلك المقال المعنون باسمها إلا أن شيئاً آخر بشأنها عدا رمزية الاسم قد لفت انتباهي، (شيء ما) في كلمات المقطع الذي يقول :

مرات أقول اديهو كلمة تزعلو/ حبة عذاب و كلام عتاب أنا عارفو ما بتحمَّلو/علشان أشوف خدو الحرير الدمعة جارية تبلِّلو/
لكنِّي قبال ابدا بي لحظات اقيف أتاملو !

لست أدري لماذا تأملت طويلاً في ذلك (الشروع العاطفي) اللطيف في (مكاواة) الحبيبة بكلام يبكيها و يستدر دموعها ! .
و قد أسميته بالعاطفي لأنه ليس كالشروع القانوني الذي يأتي بمعنى (الفعل) بل يأتي بمعنى (الشعور) أو الرغبة في إتيان الفعل !

إذاً فرجال ذلك الجيل لا يفرقون كثيراً بين الحبيبات و الأطفال، و هم يستمتعون بغضب الحبيبة و يرونه لطيفاً كغضبة طفلة ! .
و يبدو أن السبب في ذلك هو اقتناعهم بانعدام النديَّة الفكرية مع النساء لذا فقد كانوا أكثر تجاوزاً لأخطائهن و بالتالي أكثر حفاظاً على البيوت !

أما جيل اليوم فـ يبدو أنَّه لا يعول كثيرا على حكاية (الندية الفكرية) في العلاقات الزوجية، و مسئولية المرأة – عنده- عن أفعالها و أقوالها كاملة غير منقوصة، و هي أيضاً مرهونة بتلك المساواة التي طالما حلمت بها و سعت إليها !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة الرأى العام - 2007

No comments: