في إحدى مقالاته القديمة الجديدة يخبرنا أستاذنا (أنيس منصور) كيف أنَّ بعضهم قد قال يوماً مخاطباً (العقَّاد) في معرض حديثه عن أحد أساتذة الفلسفة : (إن هذا الرجل قد عاش في فرنسا عشر سنوات لذا فهو يفهم العقليَّة و الفلسفة الفرنسية أكثر من غيره )، فـ وَضَعَ (العقاد) يده على (جزمته) قائلاً : (لو صحَّ أن إنساناً يفهم الفرنسيين لأنَّه عاشرهم لصحَّ أن جزمتي هذه تفهم في الفلسفة و الأدب بحكم معاشرتها إياي أكثر من أي أستاذ في الجامعة) !
و بصرف النظر عن سماجة التشبيه إلا أن (العقاد) معه حق، فهو يعترض بطريقته الخاصة على بعض المفاهيم الجاهزة المتأصلة في عقول بعض الناس رغم افتقارها إلى المنطق و رغم تكذيب الواقع لها .
و الحقيقة أن الكثير من المُسلَّمات التي تملأ عقول (ناسنا) و يغلقون عليها بالضبَّة و المفتاح و يستحضرونها في كل مناسبة دونما تفكير في حقيقتها تدخل في قبيل اعتراض (العقاد) آنف الذكر، و من تلك المسلَّمات (أنَّنا الأفضل دوماً و الغير أقل درجة )، و هذا ما يردده الذين يتحدثون عن أفضلية المناهج الدراسية السودانية على غيرها من مناهج الدول العربية الأخرى .
هذه القناعة ترتبت عليها مأساة (خصم النِّسب) المستمرة التي جعلت من ذهاب الأبناء إلى الجامعات مشكلة تقض مضجع المغتربين على الرغم من كونها قائمة على (وهم) لا أكثر !
فـ لا نحن الأفضل و لا هم يحزنون، و العرب الذين نغترب في بلادهم ليسوا كما نظن، و مناهجهم الدراسية قوية و دسمة، و هي قد قطعت شوطا مقدرا في الوصول إلى معايير المنهج الدراسي المثالي، بينما لا نريد نحن المتقهقرون أن نفيق من هذا الوهم .
عندما كنتُ أدرس القانون في جامعة الخرطوم لاحظتُ مع كثيرين بخيبة أمل كيف أن مواضيع مطلوبات الجامعة كاللغة العربية و الإنجليزية و التربية الإسلامية مكررة و مضجرة بالنسبة للقادمين من بلاد المناهج التي يفترض بأنها أقل (نمواً) !
فـ من علم العروض الذي تبحَّرنا فيه بتوسع في الصف الثاني الثانوي إلى تفاصيل في قواعد اللغة الانجليزية مكررة عندنا جديدة على غيرنا . و من المعلومات الدينية التي تعتبر مبادئ لا أكثر مقارنة بما نعرفه في التجويد و الفقه و الحديث و التفسير إلى أمثلة كثيرة مشابهة يذكرها زملاؤنا في الكليات العملية عن الرياضيات و الأحياء و الهندسة .. إلخ ..
الطريف هو أننا أيضاً قد صدقنا تلك الأكذوبة التي كان يرددها الزملاء من (ناس) الشهادة السودانية في وقته، و أصبحنا نتعامل على أساسها .
و من المواقف الطريفة التي ترتَّبت على مثل هذه القناعات و كان زملاؤنا في كلية القانون ينسِبُونها إلى أحد الأساتذة و الذي اشتهر بين الطلبة بردوده اللاذعة : أنَّ مجموعة من (البرالمة) من حمَلَة الشهادات العربيَّة قد ذهبوا إليه يطلبون تفعيل خيار الإجابة باللغة العربية في امتحان إحدى المواد التي كانت تُدرَّس باللغة الانجليزية، و عندما أخبرهم بأنه لن يتم استثناؤهم من بقية زملاءهم انبرى أحدهم قائلاً فيما معناه بأن زملاءهم (ناس) الشهادة السودانية (ذاتهم) يطالبون بتفعيل هذا الخيار . فقال الأستاذ : (خلاص جيبوا لي زول من ناس الشهادة السودانية يقول لي الكلام دا) .
و عندما أتوا بـ (الزول) الذي كان يعاملهم بـ (فوقية أكاديميَّة) على أساس الأكذوبة إياها سأله الدكتور: (إنتَ جبت كم في الانجليزي في امتحان الشهادة السودانية ) ؟! . فذكر ذلك (الزول) درجة هزيلة تقف على أعتاب النجاح بصعوبة و هي إلى السقوط أقرب، عندها التفت الأستاذ إلى ذلك الطالب الذي تعهَّد بإحضار من يثبت صحة زعمه قائلاً في صرامة :
- يا أخي أنا قلت ليك جيب لي زول !
و بصرف النظر عن سماجة التشبيه إلا أن (العقاد) معه حق، فهو يعترض بطريقته الخاصة على بعض المفاهيم الجاهزة المتأصلة في عقول بعض الناس رغم افتقارها إلى المنطق و رغم تكذيب الواقع لها .
و الحقيقة أن الكثير من المُسلَّمات التي تملأ عقول (ناسنا) و يغلقون عليها بالضبَّة و المفتاح و يستحضرونها في كل مناسبة دونما تفكير في حقيقتها تدخل في قبيل اعتراض (العقاد) آنف الذكر، و من تلك المسلَّمات (أنَّنا الأفضل دوماً و الغير أقل درجة )، و هذا ما يردده الذين يتحدثون عن أفضلية المناهج الدراسية السودانية على غيرها من مناهج الدول العربية الأخرى .
هذه القناعة ترتبت عليها مأساة (خصم النِّسب) المستمرة التي جعلت من ذهاب الأبناء إلى الجامعات مشكلة تقض مضجع المغتربين على الرغم من كونها قائمة على (وهم) لا أكثر !
فـ لا نحن الأفضل و لا هم يحزنون، و العرب الذين نغترب في بلادهم ليسوا كما نظن، و مناهجهم الدراسية قوية و دسمة، و هي قد قطعت شوطا مقدرا في الوصول إلى معايير المنهج الدراسي المثالي، بينما لا نريد نحن المتقهقرون أن نفيق من هذا الوهم .
عندما كنتُ أدرس القانون في جامعة الخرطوم لاحظتُ مع كثيرين بخيبة أمل كيف أن مواضيع مطلوبات الجامعة كاللغة العربية و الإنجليزية و التربية الإسلامية مكررة و مضجرة بالنسبة للقادمين من بلاد المناهج التي يفترض بأنها أقل (نمواً) !
فـ من علم العروض الذي تبحَّرنا فيه بتوسع في الصف الثاني الثانوي إلى تفاصيل في قواعد اللغة الانجليزية مكررة عندنا جديدة على غيرنا . و من المعلومات الدينية التي تعتبر مبادئ لا أكثر مقارنة بما نعرفه في التجويد و الفقه و الحديث و التفسير إلى أمثلة كثيرة مشابهة يذكرها زملاؤنا في الكليات العملية عن الرياضيات و الأحياء و الهندسة .. إلخ ..
الطريف هو أننا أيضاً قد صدقنا تلك الأكذوبة التي كان يرددها الزملاء من (ناس) الشهادة السودانية في وقته، و أصبحنا نتعامل على أساسها .
و من المواقف الطريفة التي ترتَّبت على مثل هذه القناعات و كان زملاؤنا في كلية القانون ينسِبُونها إلى أحد الأساتذة و الذي اشتهر بين الطلبة بردوده اللاذعة : أنَّ مجموعة من (البرالمة) من حمَلَة الشهادات العربيَّة قد ذهبوا إليه يطلبون تفعيل خيار الإجابة باللغة العربية في امتحان إحدى المواد التي كانت تُدرَّس باللغة الانجليزية، و عندما أخبرهم بأنه لن يتم استثناؤهم من بقية زملاءهم انبرى أحدهم قائلاً فيما معناه بأن زملاءهم (ناس) الشهادة السودانية (ذاتهم) يطالبون بتفعيل هذا الخيار . فقال الأستاذ : (خلاص جيبوا لي زول من ناس الشهادة السودانية يقول لي الكلام دا) .
و عندما أتوا بـ (الزول) الذي كان يعاملهم بـ (فوقية أكاديميَّة) على أساس الأكذوبة إياها سأله الدكتور: (إنتَ جبت كم في الانجليزي في امتحان الشهادة السودانية ) ؟! . فذكر ذلك (الزول) درجة هزيلة تقف على أعتاب النجاح بصعوبة و هي إلى السقوط أقرب، عندها التفت الأستاذ إلى ذلك الطالب الذي تعهَّد بإحضار من يثبت صحة زعمه قائلاً في صرامة :
- يا أخي أنا قلت ليك جيب لي زول !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك فرق- الرأى العام - 2007
No comments:
Post a Comment