Sunday, 2 September 2007

شيء من الخوف

المبادرة بالاعتراف بعدد سنوات العمر في عرف معظم النساء خطأ فادح يدخل في قبيل الأفعال المتهورة التي لا سبيل إلى تصحيح عواقبها . و الرجل الذي يسأل المرأة عن عدد سنوات عمرها عن تقصُّد منه رغبةً في إزعاجها، أو عن جهل منه بقواعد اللَّياقة هو شخص مغضوب عليه في كلا الحالتين و يستحق أن تكذب هي عليه بكل سرور و دون أن تشعر بالذنب أو يطرف لها جفن ! .

لأجل ذلك ربما كان في حديثي اليوم عن هذا السر اللَّطيف الذي لا يعرفه كثير من الرجال بعض المجازفة فهم لا يعلمون بأن رحلة النساء مع الخوف من كبر السن تبدأ عند اقترابهن من سن الثلاثين ؟! .

و لأن الأمر مرهون بطبيعة المجتمعات فلا أستطيع الجزم بشأن كل نساء العالم إنما قد أزعم بكثير من الاطمئنان بأن هذه هي الحال عندنا . و هذا النوع من الخوف ليس وقفاً على غير المتزوجات بل يشمل جميع النساء لأن مصدره ليس القلق من عدم الزواج بل الفزع من القادم المجهول .

قبل نحو عامين عندما كانت تفصلني عن بلوغ الثلاثين بضعة أشهر داهمتني أحاسيس غريبة و مزعجة كانت جديدة عليَّ .. بعض الحسرة و شيء من الفتور أو (شيل الهم) عند التفكير بعيد مولدي، و الكثير .. الكثير من الخوف ! .

و عندما أعود إلى أوراقي لقراءة ما كتبته في ذلك اليوم الذي ودَّعتُ فيه جملة ( أنا عمري كذا و عشرين سنة ) إلى الأبد أجد عبارات يختلط فيها الخوف ببعض الحزن .

و أذكر كم أصبحت بعدها أميل إلى الرصانة و كيف أقلعت دونما وعي منِّي عن الكثير من العادات التي أصبحت أراها صبيانية، و كيف بت أشعر ببعض الخجل من قراءة الألغاز و روايات الجيب علناً أمام الناس و كأنني أخشى أن يضحك الناس علي أو أن يتهمني البعض بمحاولة الظهور في عمر أصغر .

وقد علمتُ فيما بعد من نساء كثيرات بأن ذلك الخوف الغامض هو رسوم الدخول إلى عالم الثلاثين تدفعها جميعهن في صمت لأن العادة قد جرت على أن تبتلع النساء مثل هذا الإحساس و أن يحرصن كل الحرص على أن لا يشعر به الآخرون من حولهن، و على رأس أولئك الآخرين الجانب الخشن ! .
لذلك تعيش كل واحدة منَّا هذا الخوف في حينه دون أن تبادر إلى البوح به ربما خشية أن يعمل الآخرون على تأكيده .

إحدى صديقاتي تقول دوماً بأن المرأة تبدأ في القلق عند بلوغها نهاية العشرين ثم يتطور الأمر فتتجنب الحديث عن سنها في منتصف الثلاثين، ثم تبدأ رحلة الكذب الطويلة عند بلوغها سن الأربعين ! .

قبل نحو عامين احتفلت (أوبرا وينفري) ببلوغها سن الخمسين مع رفيقها و أصدقاءها و جمهورها العريض على الهواء مباشرة و تحدثت بسعادة عن ما أنجزته خلال سنوات عمرها الخمسين، ثمَّ تطرقت إلى الحديث عن ما تحلم بتحقيقه في السنوات القادمة .

لقد كانت (أوبرا) في ذلك اليوم سعيدة متألقة تبدو بصحة جيدة و مزاج جيد لا يعكس إحباطاً أو خوفاً أو قلقاً من أي نوع .
هل كانت أوبرا سعيدة فعلاً أم أنها كانت فقط تتظاهر بذلك ؟! .

قد تحتاج الإجابة الدقيقة الواثقة على مثل هذه الأسئلة أن ننتظر تعاقب السنوات علينا، و قد لا تحتاج كل هذا الوقت إذا أقلعت النساء المثقفات عن الصمت تواطئاً مع هذا الخوف التاريخي !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك فرق - صحيفة الرأى العام - 2007

No comments: