Monday 13 November 2006

ثقافـــة أسيــاد الحــرب !

لا شك أن المتأمل في مناخاتنا السياسية قد لاحظ - دونما جهد يذكر - كيف تمخض أكثر من (سيل) عن جدب تحرسه بركة آسنه في الوقت الذي برهنت فيه سحائب الصيف – في غير مرة – على أنها قد تهطل غيثاً يروى الأشجار التي تبقى في كل الفصول !!
لكن يبدو أننا نفضل التعاطي مع الواقع بثقافة الحزبية و الطائفية التى تقدم الولاء للجماعة و التأليه للمتبوع على الولاء للأرض و الوطن !!
ربما لأننا قد أدمنَُا التفرج على لعبة الكراسي الأزلية تلك التى يتناوب فيها أسياد الحرب تقلد المقاعد الدافئة حتى بتنا لا نرضى بالسكون إلا إذا أنذرنا بعاصفة أخرى !!
و لأننا مشغولون دوماً بالتفرج على لعبة الكراسي إياها لم نتعلم ثقافة الإختلاف مع الآخر و لم نجد الوقت لنستوعب التفريق بين الوطن كأرض وانتماء و بين الحكومة كنظام يأتي و يذهب !!

إن الحلول الجذرية لأى مشكلة سياسية هى تلك التى تعكس حتمية الواقع في المقام الأول متماشيةً مع قسوته كيفما كانت لذا كانت القدرة على التصالح مع الأعراض الجانبية لتلك الحلول من أبجديات الوعى السياسي و من صميم الحس الوطني !!
أما التركيز على تزكية الأجواء التى تستمرئ اللطم و الرثاء و التبخيس ما أمكن عندما يكون الانجاز من صنع الآخر الذي نختلف معه و التهليل للإنجازات الصديقة و إن كانت مترعةً بالمثالب فهذا ما سيبقينا كما نحن نخرج من المآزق لنقع في الورطات !!
لكل قول صدى و لكل فعل عاقبة لأجل هذا يفكر المرء قليلاً قبل أن يقول و يتمهل كثيراً قبل أن يفعل لكن بعض الساسة و معظم المتسايسين عندنا إما أنهم قد أعفوا أنفسهم من عناء التفكير قبل القول و التمهل قبل الفعل أو أنهم بعد تفكير و حسابات خاطئة يخرجون بتصريحات و مواقف غير مسؤولة على الإطلاق تتعدى عواقبها الوخيمة الحكومة الى الوطن !!
وهذا يقودنا لسؤال .. إلى أى حد يمكن أن تصل حرية الإختلاف و عند أى حد يمكن أن تنتهي ؟! .. أم أنها حرية مطلقة و بامكان المخاصمة أن تصل حد التهور و الفجور ؟!
مسكين هذا البلد !!.. فبينما تحذر السلطات الصينية مواطنيها الذين يذهبون للسياحة في الخارج من (البصق) أثناء سيرهم في شوارع (الناس) و الذين يمتثلون بدورهم للتحذير من أجل تمثيل بلادهم بشكل لائق .. نتبارى نحن في (البصق) على المسلمات الوطنية و في تقديم الصور الأكثر سلبية و قتامة !!..
إنجازنا اليتيم في هذا الصدد هو نجاحنا في أن نقنن مفهوم الوطنية و نغدقه بسخاء على الفريق القومي لكرة القدم !!
حشر الأنوف الغريبة و المعقوفة ربما في شأن دارفور أمر غير قابل للهزل أو الإنتقام السياسي أو تصفية الحسابات هذا شأن وطني يعنينا نحن البسطاء و يؤثر فينا نحن العاديون أكثر من أى سياسي يطلق تصريحات لن تعود عواقبها عليه وحده ..
إن العشوائية في التعامل مع مسألة الولاء الوطني و الولاء السياسي هى آفة هذا البلد لذا أقترح أن يعكف خبراء مختصون من أبناء السودان البررة على وضع منهج في مادة التربية الوطنية يتميز بالدسامة و السلاسة في آن معاً لنخرج بأجيال قادمة تجيد التفريق بين مفهوم الدو لة و الوطن و لتكن المقررات من الدسامة بمكان بحيث يعشق أطفالنا السودان على طريقة (رانيا) صديقة طفولتي المصرية التى أعادتني الى البيت في آخر اليوم الدراسي باكية أنتحب من الغيظ و قلة الحيلة لأنها كانت تصر وباستماتة و بسالة – تحسد عليهما- على أن مصر هي أكبر الدول العربية مساحةً !!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سبتمبر - 2006 - صحيفة آخر لحظة

No comments: