Monday 13 November 2006

في الخلق و الإبداع !



مناخ الكتابة و الإبداع في السودان يشبه إلى حد كبير مناخ الإبداع في البلدان اللاتينية أو الكاريبيّة على وجه الخصوص , لكن مسألة الإنتشار هي نغمة الإختلاف في معزوفة التشابه تلك , على الرغم من كون هذا مجرد رأى شخصي إلا أنني - و لأسباب معقولة - أجد فيه قدرا لا بأس به من الموضوعية !
عندما نتأمل في روائع روائيين أفذاذ كـــــ ( ماركيز ) و ( جورج أمادو ) و ( إيزابيل الليندى) نجد أن مذاق و نكهة هذا النوع من الإبداع تعود لذات المناخ الإنساني المشابه و إن اختلفت الأمور ظاهريا , فالاختلاط العرقي المميز جداً لدى تلك الشعوب قد ترك بصمة واضحة في شخصياتهم و أنماط حياتهم و ثقافاتهم , بعض الكسل و حدة المزاج و الشعور العميق تجاه الأشياء الذي يصل لحد الإخلاص الأعمى لقيم الحب و الجمال , الطيبة الساطعة و التطرف في ردود الأفعال , كل هذا ربما منحهم إبداعاً مغايراً لا يشبه من حولهم , و بالتالي إذا أعدنا التأمل في المناخ الإجتماعي في السودان نجد أن الإختلاط العرقي بين العرب و الأفارقة قد أوجد مناخاً ثقافيا ً و إبداعياً له هويته و تميزه الخاص , هذه الخصوصية في جغرافية السودان الثقافية و العرقية قد أدت بدورها إلى خلق تلك الفجوة أو ذلك الجدار الذي يفصل بين المبدع السوداني و المتلقي العربي و الأفريقي !الوضع هنا شبيه بأغنية سودانية لا يطرب العرب كثيرا للحنها لأنها تنتمي إلى سلم موسيقى آخر غير الذي تعودوا عليه بينما لا يستطيع الأفارقة ترديدها لأن كلماتها باللغة العربية !
(خواكين مورييتا ) أشهر شخصيات ( إيزابيل الليندى ) و أحد أبطال رائعتها ( إبنة الحظ ) تلك الشخصية التي خصص لها ( بابلو نيرودا ) مسرحيته الشعرية الوحيدة ( تألق خواكين مورييتا و مصرعه ) هذا الـ .. (خواكين)
تحديداً سيكون مثالاً طريفاً لتعزيز وجهة نظري , ففي كل تفاصيله المفعمة و جموحه الصاخب ما هو إلا نسخة مقننة للشاب السوداني الثائر المثقف في عهد ليس ببعيد !
و نتيجة لإختلاف الثقافة السودانية ( العربــ أفريقية ) عن الثقافة في معظم البلدان العربية و الأفريقية فقد ظل المبدع السودانى محروماً من نعمة الإنتشار عربيا و أفريقيا و ظل بعض من لا تنطبق عليهم هذه القاعدة مجرد إستثناء آخر يؤكدها , و لعل الطيب صالح من أشهر تلك الاستثناءات باعتباره الروائي السودانى الوحيد الذي وصل إلى العالمية , غير أن الأمر الباعث على الإستياء هو أن تمجيد معظم العرب لأعماله هو في أغلب الأحوال إنعكاس لانتشار ها عالميا و احتفاء الآخر المغاير بها الأمر الذي يفسر كونه الروائي السوداني الوحيد تقريبا الذي يعرفه العرب جيداً ؟!
إبتداءاً بـ (بت المجذوب ) عجوز الطيب صالح الشهيرة مروراً بــ ( الزين ) و ( مريود ) وانتهاءاً بــ ( المنسي ) , كل هذه الشخصيات على الرغم من غرابة بعضها إلا أنها تمثل جزءا من واقع صورَّه الطيب صالح بعبقرية ليست محل جدال و نحن نفخر به كثيراً , لكن ... هذا البلد فيه مبدعون آخرون يتمنون أن يقولوا للعالم شيئا و يمكن أن يشكل إنتشارهم إضافة نوعية لأدب الرواية في العالم العربي و غيره ربما , لكنهم قابعون في غياهب التجاهل هؤلاء لم يحالفهم الحظ لتترجم أعمالهم إلى اللغة الإنجليزية !و الحقيقة أن القارئ العربى نفسه لا يعرفهم وليس لديه استعدادٌ كافٍ لذلك ,
لأجل هذا قد يكون كل ذلك التمجيد و الإحتفاء نعمة و نقمة في آن معاً في تقدير المبدع السودانى الذي يتمنى أن يقول للعالم شيئاً لكنه مكبل باحتكار الطيب صالح لفكرة الإبداع الروائي السودانى في ذهن القارئ العربي ! .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيـــلولة - أوراق جديدة - 2006

No comments: