Wednesday 21 November 2007

نحن لسنا الأفضل

في إحدى مقالاته القديمة الجديدة يخبرنا أستاذنا (أنيس منصور) كيف أنَّ بعضهم قد قال يوماً مخاطباً (العقَّاد) في معرض حديثه عن أحد أساتذة الفلسفة : (إن هذا الرجل قد عاش في فرنسا عشر سنوات لذا فهو يفهم العقليَّة و الفلسفة الفرنسية أكثر من غيره )، فـ وَضَعَ (العقاد) يده على (جزمته) قائلاً : (لو صحَّ أن إنساناً يفهم الفرنسيين لأنَّه عاشرهم لصحَّ أن جزمتي هذه تفهم في الفلسفة و الأدب بحكم معاشرتها إياي أكثر من أي أستاذ في الجامعة) !

و بصرف النظر عن سماجة التشبيه إلا أن (العقاد) معه حق، فهو يعترض بطريقته الخاصة على بعض المفاهيم الجاهزة المتأصلة في عقول بعض الناس رغم افتقارها إلى المنطق و رغم تكذيب الواقع لها .

و الحقيقة أن الكثير من المُسلَّمات التي تملأ عقول (ناسنا) و يغلقون عليها بالضبَّة و المفتاح و يستحضرونها في كل مناسبة دونما تفكير في حقيقتها تدخل في قبيل اعتراض (العقاد) آنف الذكر، و من تلك المسلَّمات (أنَّنا الأفضل دوماً و الغير أقل درجة )، و هذا ما يردده الذين يتحدثون عن أفضلية المناهج الدراسية السودانية على غيرها من مناهج الدول العربية الأخرى .

هذه القناعة ترتبت عليها مأساة (خصم النِّسب) المستمرة التي جعلت من ذهاب الأبناء إلى الجامعات مشكلة تقض مضجع المغتربين على الرغم من كونها قائمة على (وهم) لا أكثر !

فـ لا نحن الأفضل و لا هم يحزنون، و العرب الذين نغترب في بلادهم ليسوا كما نظن، و مناهجهم الدراسية قوية و دسمة، و هي قد قطعت شوطا مقدرا في الوصول إلى معايير المنهج الدراسي المثالي، بينما لا نريد نحن المتقهقرون أن نفيق من هذا الوهم .

عندما كنتُ أدرس القانون في جامعة الخرطوم لاحظتُ مع كثيرين بخيبة أمل كيف أن مواضيع مطلوبات الجامعة كاللغة العربية و الإنجليزية و التربية الإسلامية مكررة و مضجرة بالنسبة للقادمين من بلاد المناهج التي يفترض بأنها أقل (نمواً) !

فـ من علم العروض الذي تبحَّرنا فيه بتوسع في الصف الثاني الثانوي إلى تفاصيل في قواعد اللغة الانجليزية مكررة عندنا جديدة على غيرنا . و من المعلومات الدينية التي تعتبر مبادئ لا أكثر مقارنة بما نعرفه في التجويد و الفقه و الحديث و التفسير إلى أمثلة كثيرة مشابهة يذكرها زملاؤنا في الكليات العملية عن الرياضيات و الأحياء و الهندسة .. إلخ ..

الطريف هو أننا أيضاً قد صدقنا تلك الأكذوبة التي كان يرددها الزملاء من (ناس) الشهادة السودانية في وقته، و أصبحنا نتعامل على أساسها .

و من المواقف الطريفة التي ترتَّبت على مثل هذه القناعات و كان زملاؤنا في كلية القانون ينسِبُونها إلى أحد الأساتذة و الذي اشتهر بين الطلبة بردوده اللاذعة : أنَّ مجموعة من (البرالمة) من حمَلَة الشهادات العربيَّة قد ذهبوا إليه يطلبون تفعيل خيار الإجابة باللغة العربية في امتحان إحدى المواد التي كانت تُدرَّس باللغة الانجليزية، و عندما أخبرهم بأنه لن يتم استثناؤهم من بقية زملاءهم انبرى أحدهم قائلاً فيما معناه بأن زملاءهم (ناس) الشهادة السودانية (ذاتهم) يطالبون بتفعيل هذا الخيار . فقال الأستاذ : (خلاص جيبوا لي زول من ناس الشهادة السودانية يقول لي الكلام دا) .

و عندما أتوا بـ (الزول) الذي كان يعاملهم بـ (فوقية أكاديميَّة) على أساس الأكذوبة إياها سأله الدكتور: (إنتَ جبت كم في الانجليزي في امتحان الشهادة السودانية ) ؟! . فذكر ذلك (الزول) درجة هزيلة تقف على أعتاب النجاح بصعوبة و هي إلى السقوط أقرب، عندها التفت الأستاذ إلى ذلك الطالب الذي تعهَّد بإحضار من يثبت صحة زعمه قائلاً في صرامة :

- يا أخي أنا قلت ليك جيب لي زول !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك فرق- الرأى العام - 2007

No comments: