Friday 14 December 2007

صخرة سيزيف أو محاحاة القراء

جاء في الأساطير الإغريقية أن (سيزيف) الذي كان ملكاً و محارباً بارعاً و ذكياً قد ارتكب من الأفعال ما أثار غضب آلهة الأوليمب فحكمت عليه بأقسى أنواع العقاب التي يمكن أن تخطر لـ آلهة أسطورية على بال !

فقد أجبره الإله (زيوس) على أن يُدحرج صخرة عملاقة إلى قمة جبل و ما أن يصل بتلك الصخرة إلى القمة حتى تنحدر الصخرة و تسقط عند سفح الجبل، فـ يعود (سيزيف) لدحرجة الصخرة مرة أخرى إلى قمة الجبل .. و هكذا ..

لأجل هذا اعتُبر (سيزيف) البطل الأسطوري الوحيد الذي يكافح كفاحاً مريراً لإنجاز مهمة أبدية و هو يعلم علم اليقين أن لا جدوى من كفاحه لأنها سوف تكلل بالفشل !

و ما (مُتسَزيِفْ) - أكثر من (سيزيف) نفسه - إلا كاتب العمود الذي يظل يدحرج صخرة (رضا القراء) من السفح إلى القمة و من القمة إلى السفح .. إلى أجل أظنه غير مسمى .

إنما مؤكد أن هناك فرق بين (سيزيف) سيد الاسم و الكاتب (المتسزيف)، و جوهر الفرق بينهما يكمن في معنى الخيار !

فـ بينما يدحرج (سيزيف) الأصلي صخرته بمرارة القانع بانعدام الخيار يختار الكاتب أن يمضي قدماً في (محاحاة القراء) .
و على الرغم من كون هذه الدحرجة أو تلك (المحاحاة) ليست خياره الوحيد يظل إلا أنه يستعذبها دونما ملل .

فـ القارئ - أي قارئ - أينما و كيفما وجد هو طفل الكاتب المدلل، و إن كانت أسباب هذا التدليل تتفاوت من الرغبة في البقاء عند حسن ظنه لأسباب أخلاقية و مثالية بحتة .. إلى الرغبة في ذلك لأسباب مادية و مقتضيات تسويقية و توزيعية !

تتعدد الأسباب و يظل القارئ ملكاً متوجاً يحق له أن يقول بما لا يحق لغيره، و من أجل عينيه اللتين تجريان على السطور تُسل الأقلام و تسوَّد الصحف .

و لأن (رضا الناس غاية لا تدرك) كما جاء في حِكَم البشر القديمة في عهدها .. المتجددة في ثبوتها سيظل رضا (كل) القراء هو (ضخرة سيزيف) جميع الكتاب حتى ترفع الأقلام و تجف الصحف !
و قد كان لي من تلك (السزيفة) نصيب وافر عندما أعربت في مساحتي اليومية بـ جريدة حكايات عن دهشتي من أن تكون الممثلة المصرية (مديحة يسري) الـ عادية الشخصية .. عادية الثقافة هي المرأة التي حطمت قلب رجل بقيمة وقامة عباس محمود العقاد .

ثم تصادف أن كتبت في ذات المساحة في اليوم التالي عن صديقة لي لا تطيق الكتب المكدسة حولي طوال الوقت بينما أمتعض بدوري من أطقم (العدة) و (الملايات) المكدسة في بيتها .

فأخبرني أحد القراء في رسالة ساخطة بأن تنديدي بـ (عاديَّة) (مديحة يسري) و بـ نوع اهتمامات صديقتي تلك هو إفراط في الثقة بثقافتي ثم صارحني بأن حديثي هذا قد تسبب في (فقع مرارته) لا سيَّما و أن صورتي المرفقة مع العمود تدل على أني (زولة مراية) ساكت !

أما رسائل القراء التي تنتقد و تستنكر اعترافي بعدم سماع أي أغنية للجابري بصوته قبل قراءتي لإحدى مقالات ( حاطب ليل) التي كان موضوعها أغنية (سيد الاسم) فقد ظلت تنهمر على بريدي بتدفُّق غريب حتى لحظة كتابة هذا المقال !

أما (مديحة يسري) فقد قارنتُ ثقافتها بثقافة العقاد و ليس ثقافتي، و أن كان لا بد من حكاية الجمع و التكديس فالكتب أولى و أعم فائدة من أطقم (الملايات) و (العدة) . و أما (المراية) فلا ضير من أن أكون (زولتها) على أن أظل كما أنا (زولة) كتب !

و أما جهلي بصوت و أغنيات الجابري – رحمه الله – فـ دعك - عزيزي القارئ - من الذين عاشوا جل حياتهم خارج السودان مثلي و تأمل قليلاً فيمن هم حولك من (أبناء جيلي) عندها كم ستدهشك كثرة أمثالي من الجاهلين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك فرق - الرأى العام - 2007


No comments: