Sunday, 2 September 2007

ورطة الكاتب بين (بناء) النص و (زراعة) المقال

في مقاله العميق : (كيف تُكتب الرواية) يقول الأديب الكولومبي العظيم غابرييل غارسيا ماركيز : " ... إن تمزيق القصص القصيرة أمر لا مناص منه لأن كتابتها أشبه بصب الأسمنت المسلح أما كتابة الرواية فهي أشبه ببناء الآجر، و هذا يعني أنه إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الأولى فالأفضل عدم الإصرار على كتابتها، بينما الأمر في الرواية أسهل من ذلك إذ يمكن العودة للبدء فيها من جديد ... " ! . لقد حدثنا ماركيز عن طقوس كتابة القصة و الرواية في مقال أنيق .

لكن .. ماذا عن طقوس كتابة مثل ذلك المقال ؟! .

وددت لو كتب لنا شيئاً عن تجارب الأدباء - الذين يرسمون نصوصهم الأدبية وفقاً لطقوس تأخذ خصوصيتها من طبيعة هذا النوع من الخلق - مع كتابة المقال التي قد تفرض عليهم طقوساً من نوع آخر .

ربما لأن الشائع هو تحول الأدباء إلى كتابة المقالات الدورية في الصحف و المجلات و نجاحهم الكبير في هذا، بينما من النادر أن يتحول كاتب المقال إلى كتابة النصوص الأدبية ثم تكون النتيجة أن يوازي إنجازه في هذا الصدد نجاحه في كتابة المقال ! .

لا شك أن الفرق بين كتابة النص الأدبي و صناعة المقال يكمن في بعض التفاصيل الطريفة و العميقة في آنٍ معاً ! .
فـ كتابة المقال حالة ذهنية أو عمل يومي من المُعاش، بمعنى أن الكاتب لا ينفصل عن الواقع بل يظل يشرح و يفنِّد إشكاليات هذا الواقع، ثم يقترح لها الحلول .

أي أن تأثر الكاتب بواقعه و تأثيره في مجرياته هو أمر مرهون بالمعاصرة في مثل هذا النوع من الخلق . بينما يمكننا القول بأن النص الأدبي هو نوع من أنواع الخلق المفتوح أو المُشرع على عالم الخيال، فالكاتب قد يلوِّن الواقع و قد يتفنن في تجريده و قد يقوم بطرحه كما هو . ثم أنه قد يستعيض عن كل هذا باقتراحه لعوالم أخرى جديدة .

فالخيال هو طفل النص الأدبي المدلل بينما هو عدو المقال اللدود ! . و الموضوعية التي تكون شرطاً في تقبل القارئ لفكرة المقال، قد تجنح بقارئ النص الأدبي إلى الملل ! .

إن الكتابة النخبوية أو المعقدة قد ترفع في كثير من الأحيان من شأن كاتب النص الأدبي و قد تضمن له العظمة و الخلود مثلما فعلت رواية (الصخب و العنف) فقد اعتبرها النقاد معجزة حققها خيال الروائي العظيم (وليم فولكنر) الذي اضطر إلى كتابة ملحق في طبعتها الجديدة يشرح فيه بعض غموضها للقراء ! .

هنا رفع الغموض من شأن (فولكنر) ، في الوقت الذي رفعت فيه البساطة من شأن الكاتب الكبير (توفيق الحكيم) الذي حقق الخلود أيضاً لا بغموض أسلوبه بل بلغته البسيطة في كتابة المقال !.

إذاً الغموض في كتابة المقال يكون بمثابة جدار يفصل بين كاتبه و قارئه ، بينما هو في النص الأدبي غلالة رقيقة منسدلة على جسد النص، و هي لا تفسد رؤية القارئ لما خلفها بل تضفي عليه المزيد من السحر ! .

و في كتابة النص الأدبي يجتهد الكاتب في ضمان الخلود لنصه الذي يتغذى من وجوده فيتخلَّق باعتباره كياناً مستقلاً منفصلاً عن كاتبه، لدرجة أن القارئ قد يُخلِّد شخصية ابتدعها خيال كاتب في الوقت الذي لا قد يحتفي به على النحو الذي يستحق، كما حدث مع شخصية (شيرلوك هولمز) التي خلقها خيال (السير آرثر كونان دويل) تلك الشخصية التي طغت شهرتها على شهرته .
و قد يكون (دويل) أول كاتب في التاريخ تنهشه الغيرة من شخصية صنعها خياله و قد اتخذ قراراً بموتها لهذا السبب، عندها جاءته آلاف الرسائل - من القراء الغاضبين الساخطين على فعلته - مطالبة إياه بأن يبعث (شيرلوك هولمز) إلى الحياة، فما كان منه إلا أن فعل ! .

يحدث هذا مع النصوص الأدبية بينما تلعب المقالات دور السلالم في إيصال كاتبها إلى كرسي الخلود فلا يتذكر الناس مقالاً بعينه منفصلاً عن كاتبه بل يرددون أن هذا الكاتب يكتب أشياء عظيمة ! .

و قد يكون إجماع الناس على عظمة كاتب النص الأدبي أسهل بكثير من إجماعهم على عظمة كاتب المقال، ربما لأن المرجعيات النقدية التي يتكئ عليها القراء العاديون و النخبويون على حد سواء في تقييم النص الأدبي ثابتة و متشابهة نوعاً، بينما في كتابة المقال لا يمكن للكاتب بأية حال أن يرضي جميع الأذواق، فالذي يُرضي القارئ النخبوي قد يحصُد امتعاض القارئ البسيط، و الذي يعجب القارئ العادي قد يثير استياء القارئ المثقف و هكذا ...
و بينما تكون استمرارية الكتابة هي الضمان الأوحد لنجاح كاتب المقال قد يحقق كاتب النص الأدبي العظمة و الخلود بكتابة نص واحد ! .
فـ كاتب المقال هو بستاني يحصد من الثمر على قدر ما يبذل من جهد في الغرس و الري و التلقيح و التشذيب، و إن هو غفل عن غرسه يوماً ضاع جهده ! .

بينما كاتب النص الأدبي هو مهندس و عامل بناء في آنٍ معاً، و قد يشيد هذا المهندس العامل مبنى واحداً يكون مزاراً و ضريحاً يحكي عن عظمته إلى الأبد !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيلولة - مجلة الخرطوم الجديدة - 2007


منطلقات الصيد الجائر

هل يجب أن تظل أيادي النساء موضوعة على قلوبهن طوال الوقت خوفاً أخريات مجهولات قد يسرقن الأزواج ذات غفلة ؟! . و إن حدث هذا – لا قدر الله - هل
ستنخرب بيوتهن ؟ أم أن مساحاتها سوف تتقلص إلى النصف فقط ؟

عوضاً عن كون العيش على هذا النحو – أي مع حكاية الأيادي الموضوعة على القلوب طوال الوقت تلك - جحيما يفوق جحيم الضرة نفسه باعتبار أن القتل أهون من التلويح بوقوعه، فـ لا أظن أن التحفُّز المفرط تجاه هذه الفكرة أمام الزوج أو مع النفس قد يعتبر خيارا سديدا !

و قبل أن تمتعض مني بعض النساء أو (يتكيَّف مني) بعض الرجال أقول بمنتهى الموضوعية و الحيادية و بما قد أستطيعه من تجرُّد بأننا حينما نطرح مسألة التعدد أي زواج الرجل المتزوج من أخرى للنقاش فإننا لا ينبغي أن نفعل ذلك مدججين بتلك الأفكار العدائية المتوفرة لدى معظم النساء فنركز على شجب الأمر على إطلاقه . إنما الذي ينبغي أن يعنينا في المقام الأول هو ظروف كل حالة على حدة و منطلقات كل من الطرفين في ذلك القرار و حجم الأضرار التي قد تعود على الأسرة و الأطراف الثلاثة من هذا الزواج ! .

لقد ظلت الأسباب المعلنة للتعدد، و التي ترتدي عباءة الأعذار لدى بعض الرجال حتى وقت ليس ببعيد منحصرةً في عدم الإنجاب أو تقدم السن بشريكة الحياة و انشغالها بالأبناء و الأحفاد، أو غير ذلك (مما يشبه ذلك) ! و قد كان معظم المحيطين بالزوج أو المتهم يثورون ضد الفكرة أياً كانت الأعذار، أما اليوم فتلك الأسباب قد تبدو مهضومة و بمنتهى اليسر مقارنة بالأسباب الجديدة التي يصعب على (الواحد) ازدرادها ناهيك عن هضمها !
فاليوم يتزوج الكهول الأغنياء الشابات الجميلات على زوجاتهم اللاتي قد يكن بدورهن شابات جميلات و تتزوج العوانس الثريات الشباب اليافعين الوسيمين مرَّة و اثنتين و ثلاث، بينما قد تلهث الشابة الجميلة المتعلمة وراء فكرة الزوج المناسب الذي يستر حالها و ينقذها من شبح العنوسة و كفى، بل و بأكبر قدر ممكن من التنازلات الإيجابية
و أرجو أن لا يفهم هذا الحديث على أنه تنديد بالزيجات المبنية على فوارق عمرية أو فجوات جيلية لأن الكثير من هذه الزيجات قد أثبت نجاحاً حقيقياً، إنما القصد هو أن الطمع أو الإغراء المادي قد بات هو المنطلق الوحيد لكثير من الزيجات اليوم .
فالطرف الذي يتلبس معطف الصياد يلوِّح بماله بمنتهى الثقة، و الآخر الذي يتسربل بثوب الفريسة يلتقط الطعم بسعادة و اقتناع، و لا يهم إن كان هذا يدخل في قبيل الصيد الجائر الذي يحدث خللاً في التوازن الطبيعي للعلاقات الاجتماعية فبينما يفرط العزَّال في لقط النخب الأولى و المتميزة على نحو قد يفيض عن حاجته ينتظر المحرومون تحت أشجار الظن و الترقب لحين حلول النصيب !
إذاً المشكلة لم تعد في التعدد الذي يتكئ على مبررات مقنعة نوعاً، بل في دناءة بعض النفوس التي تأبى الرضا بما لديها و تطمع دوماً في الجديد من جهة ، و في الرضوخ لإغراءات المال من جهة أخرى، الأمر الذي لم يعد طبعاً مستهجنا بل شطارة أناس أمنوا مستقبلهم مع الأزواج الأغنياء فأمنوا بذلك شر الفقر ! .
كيف نُشخِّص هذا الخلل المجتمعي يا ترى ؟! و بماذا نبدأ ؟! بجشع الصياد المتمرد على فكرة التعود.. أم بتواطؤ الفريسة ؟! .. أم نبدأ بتصفيق المجتمع الذي يشجع اللعبة الحلوة ؟! .. لا أدري ! كل ما أدريه أن الزواج في السودان لم يعد قراراً مبنياً على قناعات صحية !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك فرق - جريدة الرأى العام - 2007

He's Just Not That Into You !

في أمريكا حيث يبصق الناس في وجوه الساسة ثم يمشون على الأرض هوناً ، و "همبريب" الحريًَّات المبذولة – بحسب ذمة وسائل الإعلام - يلفح وجوههم الباسمة من كل الزوايا الممكنة ، لا يزال حق تقرير مصير العلاقات الخاصة في يد الرجل وحده
بينما تقبع النساء تحت أشجار الظن و الترقُّب في انتظار الخاتم "إياه" ، و هنَّ يتمرنَّ أمام المرايا على إجادة أدوارهن المنتظرة في الهتاف بـ كلمة (أقبل) رداً على طلب الزواج التقليدي الذي يأتي في الغالب بعد "سلة روح " معتبرة بفعل "مماطلة" لا بأس بها قد تمتد لسنوات طِوال من العيش تحت سقف واحد ! إنَّما الذي يعجبني في كل هذا – على الرغم من رداءة الفكرة العامة – أن هؤلاء القوم لا يمزحون البتَّـة في حكاية العرض أو القبول هذه ! " فالنطَّة " من عرض الزواج بعد تلقُّف الأنثى له جريمة يعاقب عليها القانون !. الغريب أن المرأة الأمريكية برغم تحررها لا تزال تلجأ إلى التخمين و التحليل لمعرفة نوايا رجلها فيما يختص بجدية العلاقة . فبينما ترسل "عبير" (عندنا) صديقتها "نسرين" لمحاولة اختبار جدية "زهير" بشأن العلاقة من خلال التظاهر بالفتنة - ثم قد يتظاهر هو بالوسامة ، الأمر الذي يعني الجنوح إلى الخيانة ، و قد يتمسك بالإصرار على السَّماجة ، الأمر الذي يعني الإخلاص ! – تلجأ المرأة الأمريكية إلى مستشار في شئون العلاقات يرسم لها خارطة الطريق - إن هي شاءت - في مقابل رزمة محترمة من الدولارات ! . و قد حدث أن قامت " أوبرا وينفري " باستضافة باحثيْن في برنامجها الحواري - الذي تبث قناة الـ إم . بي . سي حلقات "بايتة " منه – هذين الباحثين قاما بتأليف كتاب عن فنون التعرُّف على جديَّة الرجل في العلاقات العاطفية من عدمها . عنوان الكتاب " إنه لا يميل إليك ِ " ، و تتولى فصول الكتاب شرح فكرة العنوان من خلال وضع الافتراضات و تقديم الاستنتاجات ، فعلى سبيل المثال لا شيء يبرر عدم إجراء مكالمة هاتفية تستغرق دقائق معدودة ، الأمر الذي يعني أن تقصير الرجل في أمر المكالمات الهاتفية يُبرهن على عدم جديته في العلاقة ! . طيب ، هل تحتاج معرفة هذه الأمور التي لا يمكن أن تفوت على حدس الأنثى إلى مستشارين ؟! . و هل تحتاج المرأة إلى تصفُّح كتاب مماثل قبل أن تركُل الرجل المراوغ خارجاً و بكل سرور ؟! . ثُمَّ هل يستحق الأمر كل هذا العناء ؟! . " و الله يا هو " ! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيلولة - صحيفة الرأى العام - 2007

أيها الناخب هل أنت جاهز ام مستعد ؟!


هل غادر الشعراء من متردَّمٍ في حكاية الحديث عن التحول الديمقراطي ؟!. لا أظن ذلك و الدليل أن معظم الساسة عندنا من وزراء و برلمانيين يتحدثون عن هذا التحول المرتقب و كأنه عصا موسى التي سوف تشق بحر الحقوق و الواجبات المتبادلة - بين الحكومة و (الوطن) ثُمَّ الحكومة و المواطن - إلى نصفين متعادلين متشابهين ! .

و هذه بالضبط هي المشكلة : أنه (مرتقب)، و كأنه سيهبط علينا من السماء بقرار وقوع واقعة الانتخابات، و من ثَمَّ اختيار الناس لمن سيحكمها بملء إرادتها، و كأن إرادتها تلك ستنبثق في ثوب جديد غير ثوبها البالي الذي تلبسه الآن ! .

في هذه الحالة الأجدى أن نسميه (انقلاب ديمقراطي) لأن التحول الديمقراطي الحقيقي يكون مرحلياً بقدر ما يكون مفصلياً أو جذرياً، أي أن هنالك دوماً علاقة طردية بين جذرية الأهداف و مرحلية تحققها التي تشبه واقع و ظروف المنتفعين بها و أولئك الذين يفترض أنها قد رُسمت لأجلهم .


و الحقيقة أنه لا يزال هنالك الكثير مما يجب أن يقال عن هذا، إنما من غير الذين تعودنا عليهم منذ الاستقلال و حتى هذا المنعطف . فهم قلة محددة الانتماء، محدودة العدد يمكننا أن نحصيهم بأقل من أصابع اليد الواحدة، و لا يعقل أن يكون العقم قد أصاب رحم هذه الأرض بعدما أنجبتهم ! .

إن الكيانات السياسية في كل أنحاء العالم لا تشيخ و لا تهرم لأنها تعمل على تجديد دماءها كل بضع سنوات على الأقل، بينما الحال عندنا على غير ذلك فقد ظلت الكلمة الأولى و الأخيرة حكراً على (قائل واحد) داخل أروقة أحزابنا السياسية، (قائد أوحد) لا يمكنه بأية حال أن يجاري متغيرات العصر بذات الكفاءة و الحنكة، أو فلنقل ذات المقدرة على الموازنة بين الحماس الخلاق و الموضوعية المهادنة .

هذا التأليه قد يكون مرده إلى نزوع الشخصية السودانية إلى تنزيه الكبير، لأجل ذلك يتخذ المواطن موقفا مُذعنا مع أي موقف يصدر عن قيادة الكيان السياسي الذي ينتمي إليه و إن أخطأت، بينما يتخذ موقفاً عدائياً في مواجهة المواقف التي تصدر عن الآخر و إن كان مصيباً . الأمر الذي يعني قصوراً في نضجه السياسي .
ما الذي قد يضيفه التحول الديمقراطي إلى مواطن يُقدِّم الولاء الأعمى على كل شيء - بدءاً بولائه الوطني، مروراً بحقوقه و انتهاءاً بحقوق الآخرين - إذا لم يواكب هو هذا التغيير بالنضج الديمقراطي المطلوب ؟! .

إن الإجابة على هذا السؤال هي معنى الفرق بين الولاء الوطني و الولاء السياسي، كما أن ذات الإجابة هي : فلسفة التفريق بين معنى أن يكون الناخب (جاهزاً) و معنى أن يكون (مستعداً) ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة الرأى العام 2007

وليمــة الورد

في الخرطوم التي يحدث فيها كل شيء، عندما كان عام 96 يودع نصفه الأول، و ذات نهارٍ محايد استأجرنا – صديقتاي و أنا – سيارة أجرة لتُقلَّنا إلى (مشتل زكي) الذي كان ينفرد بإنتاج باقات الورد الطازجة ! . وقتها لم تكن الخرطوم تعج بمحلات بيع الورد المنتشرة الآن .
كنا ذاهبين لعيادة إحدى صديقاتنا المريضات، ولأننا من الذين عاشوا و ترعرعوا خارج البلد لم تكن معرفتنا بالطرق و الشوارع كافية، الأمر الذي أثار تذمر السائق العجوز :
- إنتو ماشين ياتو (بيت) هنا بالضبط ؟!
- ما (بيت) يا (عمُّو) .. مشتل !
- عاوزين تشتروا زرع ؟!
- لأ .. عاوزين نشتري ورد .. عندنا صاحبتنا عيانة و ماشين نزورها !
- ورد شنو ؟! .. هسه كان إشتريتو ليها كيسين فاكهة ما كان أخير ليها ! .

في طريق العودة و بينما كان السائق العجوز يرمقنا بامتعاض – من خلال المرآة - كنا نحن نتأمل بابتسامات طفولية باقات الورد البديعة تلك و قطرات الماء المتناثرة عليها كحبات اللؤلؤ ! .

كانت صديقتنا تلك تقطن في الجانب الآخر من شارع المعرض الذي يمتد بين (منطقة بري) و حي (جاردن سيتي) و كأنه يُمهِّد بامتداده لذلك التطرُّف الواضح بين مظهر البيوت العادية الُمتراصَّة على مرمى حجر منه و تلك البيوت ذات الأناقة الغامضة على الجانب الآخر .
و على الرغم من قوة المودة التي كانت تربطنا بتلك الصديقة لم يكن لدينا علمٌ كافٍ بوضعها المادي، و لم يحدث أن ذهبنا لزيارتها، فقط هي التي كانت تزورنا في الداخلية التابعة لجمعية المغتربين حيث نسكن، و أذكر أنها كانت تستعير منِّي بعض الكتب ثم تعيدها بانتظام، و لا أظن أن فتاة في مثل عمرينا وقتها قد تعقِّب على كاتب أو كتاب بمثل ما كانت تقول بعد قراءتها لهمنجواي و فولكنر و تولستوي و فلوبير !.
إنما لم يحدث قط أن دعتنا لزيارتها و لم يحدث أن أبدينا رغبة بذلك .

إلى أن جاء يوم افتقدنا فيه زياراتها بعد غياب عدة أيام، سألنا عنها صديقتها التي كانت تعمل في محل اتصالات قريب فأخبرتنا بأنها مريضة، أخذنا العنوان ثم ذهبنا للاطمئنان عليها.
كان المنزل متواضعاً ينم عن فقر مدقع الأمر الذي فاجأنا كثيراً . و برعونة الذين يعيشون على هامش الواقع ذهبنا لعيادتها محملين بالورود و لم نفكر قط في احتمال حاجتها للمال، لعله صغر السن و قلة المعاصرة لأوضاع الناس في البلد، أو ربما لأنها لم تشعرنا يوماً بأنها فقيرة .
يومها تمنينا لها عاجل الشفاء ثم خرجنا مطرقين يغمرنا الخجل و باقات الورد تلك مكدسة بغباء على طاولة قريبة بجانب سريرها !.
و عندما حاولنا أن نساعدها ببعض المال نظرت تلك الصديقة بازدراء إلى المظروف الملون الذي كانت عليه صورة (دبدوب) - يطير في الهواء و هو يحمل بالوناً و يبتسم في غباء - قبل أن تعيده إلينا برفض حاسم ! . و منذ تلك اللحظة لم نعد نراها كثيراً ! .
بعد مرور سنوات قابلتها مصادفةً و افترقنا على وعد بلقاء قريب . و عندما أتت لزيارتي قادتنا (الونسة) إلى ذلك اليوم فحدثتها عن امتعاض سائق التاكسي من باقات الورد و اقتراحه الفاكهة كهدية أكثر واقعية و عملية . عندها فوجئت بها تخبرني كيف أنهم في ذلك اليوم لم يكونوا يملكون قوت يومهم بالمعنى الحرفي للجملة ! . ثم كيف منعها التعفف من قبول ذلك المال الذي جمعناه لأجلها . كانت تقول ذلك و هي تضحك بقناعة آلمتني .

ما أدرانا وقتها بأن العالم أكثر تعقيداً و قبحاً مما كنا نظن ؟! ॥اليوم و بعد أن انتقلنا من تدليل الآباء غير المشروط إلى مشاركة الأزواج التزامات الحياة أدركنا كم كانت باقات الورد تلك خياراً ساذجاً !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك فرق - صحيفة الرأى العام - 2007



شيء من الخوف

المبادرة بالاعتراف بعدد سنوات العمر في عرف معظم النساء خطأ فادح يدخل في قبيل الأفعال المتهورة التي لا سبيل إلى تصحيح عواقبها . و الرجل الذي يسأل المرأة عن عدد سنوات عمرها عن تقصُّد منه رغبةً في إزعاجها، أو عن جهل منه بقواعد اللَّياقة هو شخص مغضوب عليه في كلا الحالتين و يستحق أن تكذب هي عليه بكل سرور و دون أن تشعر بالذنب أو يطرف لها جفن ! .

لأجل ذلك ربما كان في حديثي اليوم عن هذا السر اللَّطيف الذي لا يعرفه كثير من الرجال بعض المجازفة فهم لا يعلمون بأن رحلة النساء مع الخوف من كبر السن تبدأ عند اقترابهن من سن الثلاثين ؟! .

و لأن الأمر مرهون بطبيعة المجتمعات فلا أستطيع الجزم بشأن كل نساء العالم إنما قد أزعم بكثير من الاطمئنان بأن هذه هي الحال عندنا . و هذا النوع من الخوف ليس وقفاً على غير المتزوجات بل يشمل جميع النساء لأن مصدره ليس القلق من عدم الزواج بل الفزع من القادم المجهول .

قبل نحو عامين عندما كانت تفصلني عن بلوغ الثلاثين بضعة أشهر داهمتني أحاسيس غريبة و مزعجة كانت جديدة عليَّ .. بعض الحسرة و شيء من الفتور أو (شيل الهم) عند التفكير بعيد مولدي، و الكثير .. الكثير من الخوف ! .

و عندما أعود إلى أوراقي لقراءة ما كتبته في ذلك اليوم الذي ودَّعتُ فيه جملة ( أنا عمري كذا و عشرين سنة ) إلى الأبد أجد عبارات يختلط فيها الخوف ببعض الحزن .

و أذكر كم أصبحت بعدها أميل إلى الرصانة و كيف أقلعت دونما وعي منِّي عن الكثير من العادات التي أصبحت أراها صبيانية، و كيف بت أشعر ببعض الخجل من قراءة الألغاز و روايات الجيب علناً أمام الناس و كأنني أخشى أن يضحك الناس علي أو أن يتهمني البعض بمحاولة الظهور في عمر أصغر .

وقد علمتُ فيما بعد من نساء كثيرات بأن ذلك الخوف الغامض هو رسوم الدخول إلى عالم الثلاثين تدفعها جميعهن في صمت لأن العادة قد جرت على أن تبتلع النساء مثل هذا الإحساس و أن يحرصن كل الحرص على أن لا يشعر به الآخرون من حولهن، و على رأس أولئك الآخرين الجانب الخشن ! .
لذلك تعيش كل واحدة منَّا هذا الخوف في حينه دون أن تبادر إلى البوح به ربما خشية أن يعمل الآخرون على تأكيده .

إحدى صديقاتي تقول دوماً بأن المرأة تبدأ في القلق عند بلوغها نهاية العشرين ثم يتطور الأمر فتتجنب الحديث عن سنها في منتصف الثلاثين، ثم تبدأ رحلة الكذب الطويلة عند بلوغها سن الأربعين ! .

قبل نحو عامين احتفلت (أوبرا وينفري) ببلوغها سن الخمسين مع رفيقها و أصدقاءها و جمهورها العريض على الهواء مباشرة و تحدثت بسعادة عن ما أنجزته خلال سنوات عمرها الخمسين، ثمَّ تطرقت إلى الحديث عن ما تحلم بتحقيقه في السنوات القادمة .

لقد كانت (أوبرا) في ذلك اليوم سعيدة متألقة تبدو بصحة جيدة و مزاج جيد لا يعكس إحباطاً أو خوفاً أو قلقاً من أي نوع .
هل كانت أوبرا سعيدة فعلاً أم أنها كانت فقط تتظاهر بذلك ؟! .

قد تحتاج الإجابة الدقيقة الواثقة على مثل هذه الأسئلة أن ننتظر تعاقب السنوات علينا، و قد لا تحتاج كل هذا الوقت إذا أقلعت النساء المثقفات عن الصمت تواطئاً مع هذا الخوف التاريخي !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك فرق - صحيفة الرأى العام - 2007

شـرور صغيرة !


أعترف اليوم بخطأ إحدى نظرياتي التي كنت أسعى جاهدةً - طوال الوقت - لإثباتها، لقد حيَّرني (بنو آدم) بطبائعهم الغريبة و أطفئوا حماسي لفلسفة شرورهم ! .
فقد كنت دوماً أقول بأن الغربة كالماء المالح تعمل على تكوين طبقة (كِلْسيَّه) فوق معادن الناس بمرور الزمن، و بأن هنالك علاقة طردية بين (سُمك) تلك الطبقة و قوة شخصية المغترب و بالتالي قوة مقدرته على اجتياز امتحان الغربة دون أن تطمُس بمرارتِها طبائعه الأصيلة ! .

أما زوجي فله نظرية أخرى - يتقاطع مفهومها مع نظريتي تلك - مفادها : أن الغربة كالنار تُذيب البريق الزائف عن معادن الناس فتُظهر حقيقتهم الكامنة خلف الأقنعة ! .

كنت دوماً أقول له - مازحةً - بأنه سيأتي يوم نخوض فيه تجربة مشتركة تثبت صحة نظريتي و خطأ نظريته، إلى أن جاءتنا تلك التجربة تمشي على قدمين ! .

أحد أولئك الذين يقول عنهم زوجي بأن (نيران) الغربة قد أظهرت حقيقتهم المؤسفة كان جاراً لأحد أصدقاءنا، و على الرغم من أن العلاقة لم تكن تتجاوز السلام و السؤال عن الحال فقد ألحق بنا ذلك الرجل الكثير من الأذى، ما جعل زوجي يتخذه مثالاً لإثبات نظريته تلك .
و عندما كان يذكر ذلك كنت أقول له بأن ذلك (الشر) الذي يظهر في سلوك الرجل ما هو إلا (تكلُّس) مؤقت السبب فيه مرارة الغربة (و كدا) ! .

إلى أن جاء يوم أخبرني فيه بعد عودته من العمل بأن ذلك الرجل - الذي كان (شديد البخل) - قد زاره في المستشفى و رجاه أن يساعده في عمل فحوصات مجانية لوالدته المريضة و من ثم مساعدته في صرف علاج مجاني لها ! .
و لأن بيتنا يقع بالقرب من المستشفى ستمكُث والدته و زوجته عندنا لحين ظهور النتائج .
كانت الجلسة كمحاضر الشرطة، والدته تلقي بالسؤال و تتلقَّف إجاباتي لتصنع منها سؤالاً جديداً بينما ظلت الزوجة صامتةً كالأسماك تدوِّن ذلك الحوار في ذاكرتها حتى تقوم بإذاعته في إحدى الجلسات النسائية عما قريب كعادتها ! ..
و هما تعاملان بعضهما بنفور حيَّرني كثيراً ! .

كانت الأم ترمقني بنظراتٍ فاحصة سَمِجة - جعلتني أزداد قناعة بموضوعية سارتر عندما وصف الآخرين بأنهم جحيم ! – قبل أن تقول بلهجة ذات مغزى :
- بس أوعِي راجلك دا يقوم يجيب أمُّـو ! ..
- و ليه (أوعَي) يا خالة ؟! .. يا ريت هي ترضى تجي .. نحن لاقينها وين ؟! ..
- بري .. أحسن ما تجي تقوم تضايقكم ساكت ! ..
- لا .. لا .. ما بتضايقنا .. على العكس تشرّفنا و تونِّسنا ! ..

انتهى المحضر بانتهاء الزيارة بعد أن يئست هي من الإيقاع بي ! .
و ما أن عاد زوجي إلى البيت مساءاً حتى صاح قائلاً و هو يضحك :
- عارفة أمُّو قالت لي شنو ؟! ..
- أها ؟! ..
- قالت لي المرة دي ما تقوم تنسِّيك أمَّك .. أعمل حسابك .. جيب أمَّك تتونس معاك ! ..

و عندما أخبرته بما نصحتني به في هذا الصَّدد قال و هو يضحك بظفر :
- اعترفي إنو نظريتك أثبتت فشلها .. الشَّر بتاع الزول دا وراثة .. لا غُربة .. لا تَكلُّس ! ..
- على العموم دي شرور صغيرة .. الله يكفينا الشرور الكبيرة !..
- اعترفي ! ..
- طيِّب اعترفت ! ..

ها أنا ذي أعترف بخطأ نظريَّتي । فالزبون و المدير و الزوج دوماً على حق !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك فرق - جريدة الرأى العام - 2007


أول صفعــة !

يقولون أن ثَمة علاقة بين تأخر الفطام و الذكاء , أمي - لأنها أمي - تؤمِّن على هذا بذات القدر من الحماسة في كل مرة , فقط لتروي لهم ضاحكةً كيف أفلتُ ثديها , و انزلقتُ من حجرها بسرعةٍ خاطفة قبل أن أستوي على البلاط , و أنا أرمق بحنقٍ بالغ خالي الذي كان يقول بأن الرضاعة لأمثالي من " الفتوات " الكبيرات حرام " الله بدخلك النار " । و كيف ركضتُ إلى باب " برندة " بيت جدي , ثم وقفتُ في منتصف " الحوش " عارية القدمين , باحثةً عن الله الذي ظننته لن يراني تحت سقف " البرندة " , قبل أن أرفع ذراعيَّ إلى السماء , قائلة في غضبٍ طفولي : " برضع برضع يا الله " ! । عندما أقول للناس بأنني لا زلتُ أذكر يوم فطامي بوضوح , يُصابون بالدهشة , ثم يتضاحكون في تكذيبٍ مُهذَّب । لكنِّي أذكر ذلك اليوم جيداً ! । يومها وضعَتْ أمي على ثديها قليلاً من "العجين المُر" لتجبرني على كراهية حليبها اللذيذ । لا تزال أمي تضحك بدهشة متجددة كلما ذكرتها بهذا ! . أما الذي يدهشني أنا فتضاحك الناس و تكذيبهم المهذب . فإلى جانب كون فطامي قد تحقق بعد لأي , و في سن متأخرة , حيث كنت أرضع ثم آكل الطعام و أمشي في الأسواق , بل و " أتفاصح " قبل أو في أثناء طقوس الرضاعة . و قد كنت أتخذُ من ثوب أمي غطاءاً أحمي به خصوصيتي من أعيُن الفضوليات المتظارفات من خالاتٍ و جارات , و إن بقيت صيحاتُهن المُنكِرة تَصِلُ إلىّ غير منقوصة , مخترقةً بسماجَتِها دِرْعِي القُماشي الواهي ! . كيف أنسى تلك الساعات التي ملأتُها بصُراخي و شَهَقاتي , و اختلط فيها مِلْحُ دموعي بالعجين المُر ؟! . ثم , كيف لا يذكر المرء أول صفعة في مشوار الحياة ؟! . كيف ينسى أول احتكاك حقيقي مع فكرة الإدراك لمعنى الممكن و المتاح , و المفروض المهيمن علينا و إن لم نقبل به ؟! . و المرغوب الذي قد لا نلقى إليه سبيلاً ؟! , و أن ما يرام قد لا يكون متاحاً , و أن المتاح المبذول هو في الغالب على غير ما يرام ؟! . حتى اليوم لا زلتُ أذكر ساعات فطامي , و حتى اللحظة لا شئ يعدلُ لذة الرضاعة عندي سوى روعة القراءة , و لا شئ يُماهي ذلك التَلمُّظ الماهل بعد رضعةٍ مُشبِعَة إلا تَلمُّظ العقل بعد قراءة نَصٍ جَيِّد ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيلولة - صحيفة الرأى العام - 2007

حالة كون المرء زول ساكت


أمران أضحكاني – في هذه الأجازة – حَـد القهقهة و أمعنْتُ في السخرية منهُما على تلك الطريقة المحليَّة في السخرية من شَطحات المغتربين اللفظيَّة و السُلوكيَّة أيام زمان ! . (أوَّلهُما) أغنية من أغاني (البنات) تحمل مفردات غريبة المعاني , يتَخلَّلُها سؤال دائم شديد الإلحاح على نحو " كدا كيف " ؟! و إجابة متكررة على غرار " مبالغة " ! , و عندما سألتُ صديقاتي - من بين دموعي التي سَالتْ من فرط الضحك - عن اسم المغنِّية , صفعَتني الإجابة التي وجدتُها تستوجب دمعاً من نوع آخر : " دي ما بت , دا ولد " ! . الدمع الذي عنيتُه من المفترض أن يسكبُه (ذووه) و ليس أنا بالطبع ! .

أما (ثاني) الأمرين فتلك النَّزعة (الطبقيَّة) المستحدثة في تقييم أصحاب شرائح الهواتف المحمولة , فهم ينقسمون بحسب هذا (العُرف) الصَّارم إلى فئات تتراوح بين : " شخصيات هامة " و " ناس ساكت " ! . إذ يبدو أن لعنة " البوبار " قد حلّت على الشعب السوداني و تمكنت منه إلى حد تقديم نوع الشريحة على مقدار الخبز و ملائمة الكساء و غير ذلك من أولويات الحياة . فلا يهم أن تكون جائعا أو شبعاناً بقدر ما يهم أن تحمل شريحة محترمة تُجنِّبُك اضطهاد المُستقبِِل لرقم هاتفك على الطرف الآخر ! . و قد أدركتُ هذا عندما اشتريت حال وصولي إلى الخرطوم شريحة (موبايل) بمبلغ زهيد و بها القليل من الرصيد , و قد استبشرت بهذه الصفقة الرابحة التي تخدم أمثالي من القادمين إلى البلد لفترات مؤقتة و لا يحتاجون إلى استخدام هذا النوع من الشرائح لأكثر من شهر أو اثنين , لكنِّي فوجئت بظاهرة في منتهى الغرابة تتمثل في عدم الترحيب بالمكالمات الواردة من هذا النوع من الشرائح , فشكوتُ إلى إحدى صديقاتي من عدم رد الناس على مكالماتي , بل و عدم محاولتهم معاودة الاتصال بعد ذلك . فقالت بهدوء " بكونوا فاكرينك زولة ساكت " ! . و عندما أعربت عن استنكاري لمثل هذا التصنيف المُخِلْ تناولت هاتفها و قامت بالاتصال بذات الرقم الذي لم أجد منه أي رد و هي تقول بثقة " أنا نمرتي (v I p) , عشان كدا ح يردوا طوالي " ! . و بالفعل أتى الرد بسرعة مُحيِّرة . عندها قالت صديقتي و هي تضحك : " كدا كيف ؟! " . أجبتُها بسخطٍ عظيم : " مبالغة " ! .